فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (102- 107):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)}
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب} احتجاج على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإخباره بالغيوب {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم تأكيداً لحجته والضمير لأخوة يوسف {إِذْ أجمعوا} أي عزموا {وَهُمْ يَمْكُرُونَ} يعني فعلهم بيوسف {وَمَآ أَكْثَرُ الناس} عموم لأن الكفار أكثر من المؤمنين، وقيل أراد أهل مكة {وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} اعتراض أي لا يؤمنون، ولو حرصت على إيمانهم {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} أي لست تسألهم أجراً على الإيمان، فيثقل عليهم بسبب ذلك، وهكذا معناه حيث وقع {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ} يعني المخلوقات والحوادث الدالة على الله سبحانه {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} نزلت في كفار العرب الذي يقرون بالله ويعبدون معه غيره، وقيل: في أهل الكتاب لقولهم: عزير ابن الله والمسيح ابن الله {غاشية} هي ما يغشى ويعم.

.تفسير الآيات (108- 109):

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)}
{قُلْ هذه سبيلي} إشارة إلى شريعة الإسلام {أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ} أي أدعو الناس إلى عبادة الله، وأنا على بصيرة من أمري وحجة واضحة {أَنَاْ وَمَنِ اتبعني} أنا تأكيد للضمير في أدعو، ومن اتبعني معطوف عليه وعلى بصيرة في موضع الحال وقيل: أنا مبتدأ وعلى بصيرة خبره، فعلى هذا يوقف على قوله أدعو إلى الله، وهذا ضعيف {وسبحان الله} تقديره وأقول سبحان الله {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً} ردّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، وقيل فيه إشارة إلى أنه لم يبعث رسولاً من النساء {مِّنْ أَهْلِ القرى} أي من أهل المدن، لا من أهل البوادي، فإن الله لم يبعث رسولاً من أهل البادية لجفائهم.

.تفسير الآيات (110- 111):

{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
{حتى إِذَا استيأس الرسل} متصل بالمعنى بقوله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً إلى قومه عاقبة الذين من قبلهم، ويأسهم: يحتمل أن يكون من إيمان قومهم أو من النصر، والأول أحسن {وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} قرئ بتشديد الذال وتخفيفها، فأما التشديد فالضمير في ظنوا وكذبوا للرسل، والظن يحتمل أن يكون على بابه، أو بمعنى اليقين: أي علم الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيئسوا من إيمانهم، وأما التخفيف، فالضميران فيه للقوم المرسل إليهم، أي ظنوا أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من الرسالة، أو من النصرة عليهم {فِي قَصَصِهِمْ} الضمير للرسل على الإطلاق، أو ليوسف وإخوته {مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى} يعني القرآن {ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ} تقدم معناه في البقرة.

.سورة الرعد:

.تفسير الآيات (1- 2):

{المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)}
{تِلْكَ آيات الكتاب} أي آيات هذه السورة ويحتمل أن يريد آيات الكتب على الإطلاق، ويحتمل أن يريد القرآن على الإطلاق، وهذا بعيد لتكرار القرآن بعد ذلك {والذي أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني القرآن وإعرابه مبتدأ وخبره الحق {بِغَيْرِ عَمَدٍ} أي بغير شيء تقف إلا قدرة الله {تَرَوْنَهَا} قيل: الضمير للسموات، وترونها على هذا في موضع الحال أو استئنافاً، وقيل: الضمير للعَمَد أي ليس لها عمد مرئية فيقتضي المفهوم من أن لها عَمداً لا تُرى، وقال الجمهور: لا عمد لها البتة، فالمراد نفي العمد ونفي رؤيتها {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ثم هنا لترتيب الأخبار، لا لترتيب وقوع الأمر، فإن العرش كان قبل خلق السموات، وتقدّم الكلام على الاستواء في [الأعراف: 53] {يُدَبِّرُ الأمر} يعني أمر الملكوت {يُفَصِّلُ الآيات} يعني آيات كتبه.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)}
{مَدَّ الأرض} يقتضي أنها بسيطة لا مكورة، وهو ظاهر الشريعة، وقد يترتب لفظ البسط والمدّ من التكوير؛ لأن كل قطعة من الأرض ممدودة على حدتها، وإنما التكوير لجملة الأرض {رواسى} يعني الجبال الثابتة {زَوْجَيْنِ اثنين} يعني صنفين من الثمر: كالأسود والأبيض، والحلو والحامض، فإن قيل: تقتضي الآية أنه تعالى خلق من كل ثمرة صنفين، وقد خلق من كثير من الثمرات أصنافَ كثيرةً، والجواب: أن ذلك زيادة في الاعتبار، وأعظم في الدلالة على القدرة، فذكر الاثنين، لأن دلالة غيرهما من باب أولى، وقيل: إن الكلام تم في قوله: {وَمِن كُلِّ الثمرات} ثم ابتدأ بقوله: {جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ} يعني الذكر والأنثى والأول أحسن {يُغْشِى اليل النهار} أي يلبسه إياه فيصير له كالغشاء، وذلك تشبيه.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}
{قِطَعٌ متجاورات} يعني قطع متلاصقة مع تلاصقها، فإن أرضها تتنوع إلى طيب ورديء وصلب ورخو، وغير ذلك، وكل ذلك دليل على الصانع المختار المريد القادر {صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} الصنوان هي النخلات الكثيرة، ويكون أصلها واحد وغير الصنوان المفترق فرداً فرداً، وواحد الصنوان صنو {يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل} حجة وبرهان على أنه تعالى قدير ومريد، لأن اختلاف مذاقها وأشكالها وألوانها مع اتفاق الماء الذي تسقى به: دليل على القدرة والإرادة، وفي ذلك ردّ على القائلين بالطبيعة.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)}
{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} أي إن تعجب يا محمد فإن إنكارهم للبعث حقيق أن يتعجب منه، فإن الذي قدر على إنشاء ما ذكرنا من السموات والأرض والثمار قادر على إنشاء الخلق بعد موتهم، {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هذا هو قول الكفار المنكرين للبعث، واختلف القراء في هذا الموضع وفي سائر المواضع التي فيها استفهامان، وهي أحد عشر موضعاً، أولها هذا، وفي الإسراء موضعان، وفي المؤمنين موضع، وفي النمل موضع، وفي العنكبوت موضع، وفي ألم السجدة موضع، وفي الصافات موضعان وفي الواقعة موضع، وفي النازعات موضع، فمنهم من قرأ بالاستفهام في الأول والثاني ومنهم من قرأ بالاستفهام في الأول فقط وهو نافع ومنهم من قرأ بالاستفهام في الثاني فقط، وأصل الاستفهام في المعنى، وإنما هو عن الثاني في مثل هذا الموضع، فإن همزة الاستفهام معناها الإنكار، وإنما أنكروا أن يكونوا خلقاً جديداً ولم ينكروا أن يكونوا تراباً، فمن قرأ بالاستفهام في الثاني فقط فهو على الأصل ومن قرأ بالاستفهام في الأول، فالقصد بالاستفهام الثاني، ومن قرأ بالاستفهام فيهما فذلك للتأكيد {وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} يحتمل أن يريد الأغلال في الآخرة فيكون حقيقة، أو يريد أنهم ممنوعون من الإيمان كقولك: {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} [يس: 8]، فيكون مجازاً يجري مجرى الطبع والختم على القلوب.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)}
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة} أي بالنقمة قبل العافية، والمعنى: أنهم طلبوا العذاب على وجه الاستخفاف {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات} جمع مثلة على وزن تمرة وهي العقوبة العظيمة التي تجعل الإنسان مثلاً، والمعنى كيف يطلبون العذاب وقد أصابت العقوبات الأمم الذين كانوا قبلهم أفلا يخافون مثل ذلك؟
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ} يريد ستره وإمهاله في الدنيا للكفار والعصاة، وقيل: يريد مغفرته لمن تاب، والأول أظهر هنا.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ} الآية: اقترحوا نزول آية على النبي صلى الله عليه وسلم من نزول ملك معه أو شبه ذلك، ولم يعتبروا بالقرآن ولا بغيره من الآيات العظام التي جاء بها، وذلك منهم معاندة {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ} أي إنما عليك إنذارهم، وليس عليك أن تأتيهم بآية إنما ذلك إلى الله {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن يراد بالهادي الله تعالى، فالمعنى إنما عليك الإنذار والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء، والوجه الثاني: أن يريد بالهادي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمعنى إنما أنت نبي منذر، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم فليس أمرك ببدع ولا مستنكر. الثالث: رُوي أنها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي.

.تفسير الآية رقم (8):

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
{الله يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أنثى} كقوله: يعلم ما في الأرحام، وهي من الخمس التي لا يعلمها إلا الله، ويعني يعلم هل هو ذكر أو أنثى، أو تام أو خداج، أو حسن أو قبيح، أو غير ذلك {وَمَا تَغِيضُ الأرحام وَمَا تَزْدَادُ} معنى تغيض تنقص، ومعنى تزداد من الزيادة، وقيل: إن الإشارة بدم الحيض فإنه يقل ويكبر وقيل: للولد فالغيض السقط، أو الولادة لأقل من تسعة أشهر، والزيادة إبقاؤه أكثر من تسعة أشهر، ويحتمل أن تكون ما في قوله: ما تحمل وما تغيض وما تزداد: موصولة أو مصدرية.

.تفسير الآية رقم (10):

{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
{سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ} المعنى إن الله يسمع كل شيء، فالجهر والإسرار عنده سواء. وفي هذا وما بعده تقسيم، وهو من أدوات البيان، فإنه ذكر أربعة أقسام، وفيه أيضاً مطابقة {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ باليل وَسَارِبٌ بالنهار} المعنى؛ سواء عند الله المستخفي بالليل وهو في غاية الاختفاء مع السارب بالنهار، وهو في غاية الظهور ومعنى السارب: المتصرف في سربه بالفتح: أي في طريقه ووجهه، والسارب والمستخفي اثنان قصد التسوية بينهما في اطلاع الله عليهما، مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف بينهما في اطلاع الله عليهما مع تباين حالهما، وقيل: إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار: صفتان لموصوف واحد يستخفي بالليل ويظهر بالنهار، ويعضد هذا كونه قال: وسارب، فعطفه عطف الصفات ولم يقل ومن هو سارب بتكرار من كما قال، من أسر القول ومن جهر به، إلا أنَّ جَعْلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به، فيكمل التقسيم إلى أربعة على هذا، ويكون قوله: وسارب عطف على الجملة وهو قوله: ومن هو مستخف لا على مستخف وحده.

.تفسير الآية رقم (11):

{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
{لَهُ معقبات} المعقبات هنا جماعة الملائكة، وسميت معقبات لأن بعضهم يعقب بعضاً، والضمير في له يعود على من المتقدّمة، كأنه قال: لمن أسر ومن جهر ولمن استخفى ومن ظهر له معقبات، وقيل: يعود على الله وهو قول ضعيف؛ لأن الضمائر التي بعده تعود على العبد باتفاق {يَحْفَظُونَهُ} صفة للمعقبات، وهذا الحفظ يحتمل أن يراد به حفظ أعماله أو حفظه وحراسته من الآفات {مِنْ أَمْرِ الله} صفة للمعقبات أي معقبات من أجل أمر الله أي أمرهم بحفظه، وقرئ بأمر الله، وهذه القراءة تعضد ذلك، ولا يتعلق من أمر الله على هذا ليحفظونه، وقيل: يتعلق به على أنهم يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم له واستغفارهم {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعم {حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بالمعاصي، فيقتضي ذلك أن الله لا يسلب النعم، ولا يترك النقم إلا بالذنوب.

.تفسير الآية رقم (12):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
{يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً} الخوف يكون من البرق من الصواعق والأمور الهائلة، والطمع في المطر الذي يكون معه {السحاب الثقال} وصفها بالثقل، لأنها تحمل الماء {وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ} الرعد اسم ملك وصوته المسموع تسبيح، وقد جاء في الأثر: أن صوته زجر للسحاب، فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك {وَيُرْسِلُ الصواعق} قيل: إنه إشارة إلى الصاعقة التي نزلت على أربد بن ربيعة الكافر، وقتلته حين هم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأخوه عامر بن الطفيل واللفظ أعم من ذلك {وَهُمْ يجادلون فِي الله} يعني الكفار، والواو للاستئناف أو للحال {شَدِيدُ المحال} أي شديد القوة، والمحال مشتق من الحيلة، فالميم زائدة، ووزنه مفعل، وقيل: معناه شديد المكر من قولك: محل بالرجل إذا مكر به، فالميم على هذا أصلية ووزنه فعال وتأويل المكر على هذا القول كتأويله في المواضع التي وردت في القرآن.

.تفسير الآية رقم (14):

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
{لَهُ دَعْوَةُ الحق} قيل: هي لا إله إلا الله، والمعنى أن دعوة العباد بالحق لله ودعوتهم بالباطل لغيره {والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} يعني بالذين: ما عبدوا من دون الله من الأصنام وغيرهم، والضمير في يدعون للكفار، والمعنى أن المعبودين لا يستجيبون لمن عبدهم {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى المآء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ ببالغه} شبَّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفيه، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه، ولا يبلغ فمه على هذا أبداً؛ لأن الماء جماد لا يعقل المراد، فكذلك الأصنام، والضمير في قوله: وما هو الماء، وفي ببالغة للفم.

.تفسير الآيات (15- 16):

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السموات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} من لا تقع إلا على من يعقل، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن، فإذا جعلنا السجود بمعنى الانقياد لأمر الله وقضائه؛ فهو عام في الجميع: من شاء منهم ومن أبى، ويكون طوعاً لمن أسلم وكرها لمن كره وسخط، وإن جعلنا السجود هو المعروف بالجسد، فيكون لسجود الملائكة والمؤمنين من الإنس والجن طوعاً، وأما الكره فهو سجود المنافق وسجود ظل الكافر {وظلالهم} معطوف على من والمعنى أن الظلال تسجد غدوة وعشية، وسجودها انقيادها للتصرف بمشيئة الله سبحانه وتعالى {قُلِ الله} جواب عن السؤال المتقدم، وهو من رب السموات والأرض، وإنما جاء الجواب والسؤال من جهة واحدة، لأنه أمر واضح لا يمكن جحده ولا المخالفة فيه، ولذلك أقام به الحجة على المشركين بقوله: {أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ}.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير} الأعمى تمثيل للكافر، والبصير تمثيل للمؤمن {الظلمات} الكفر {والنور} الإيمان، وذلك كله على وجه التشبيه والتمثيل {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} أم هنا بمعنى بل والهمزة، وخلقوا صفة لشركاء والمعنى: أن الله وقفهم سألهم هل خلق شركاؤهم خلقاً كخلق الله، فحملهم ذلك واشتباهه بما خلق الله على أن جعلوا إلهاً غير الله؟ ثم أبطل ذلك بقوله: {قُلِ الله خالق كُلِّ شَيْءٍ} فحصل الردّ عليهم.